سورة آل عمران - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} حصر لمقامات السالك على أحسن ترتيب، فإن معاملته مع الله تعالى إما توسل وإما طلب، والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما، وإما بالبدن، وهو إما قولي وهو الصدق وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإما بالمال وهو الإِنفاق في سبل الخير، وإما الطلب فبالاستغفار لأن المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها وتوسيط الواو بينهما للدلالة على استقلال كل واحد منها وكمالهم فيها أو لتغاير الموصوفين بها، وتخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإِجابة، لأن العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع للمجتهدين. قيل إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون.


{شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ} بين وحدانيته بنصب الدلائل الدالة عليها وإنزال الآيات الناطقة بها. {والملئكة} بالإِقرار. {وَأُوْلُواْ العلم} بالإِيمان بها والاحتجاج عليها، شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد. {قَائِمَاً بالقسط} مقيماً للعدل في قسمه وحكمه وانتصابه على الحال من الله، وإنما جاز إفراده بها ولم يجز جاء زيد وعمرو راكباً لعدم اللبس كقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} أو من هو والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد قائماً، أو أحقه لأنها حال مؤكدة، أو على المدح، أو الصفة للمنفي وفيه ضعف للفصل وهو مندرج في المشهود به إذا جعلته صفة، أو حالاً من الضمير. وقرئ القائم بالقسط على البدل عن هو أو الخبر لمحذوف. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبني عليه قوله: {العزيز الحكيم} فيعلم أنه الموصوف بهما، وقدم العزيز لتقديم العلم بقدرته على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد.
وقد روي في فضلهما أنه عليه الصلاة والسلام قال: «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى: إن لعبدي هذا عندي عهداً وأنا أحق من وفى بالعهد، ادخلوا عبدي الجنة» وهي دليل على فضل علم أصول الدين وشرف أهله.
{إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام} جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل من أنه بدل الكل أن فسر الإِسلام بالإِيمان، أو بما يتضمنه وبدل اشتمال إن فسر بالشريعة. وقرئ أنه بالكسر وأن بالفتح على وقوع الفعل على الثاني، واعتراض ما بينهما أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى لتضمنه معناهما. {وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب} من اليهود والنصارى، أو من أرباب الكتب المتقدمة في دين الإِسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقاً، أو في التوحيد فثلثت النصارى {وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله} وقيل هم قوم موسى اختلفوا بعده. وقيل هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه السلام. {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم} أي بعد ما علموا حقيقة الأمر وتمكنوا من العلم بها بالآيات والحجج. {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً بينهم وطلباً للرئاسة، لا لشبهة وخفاء في الأمر. {وَمَن يَكْفُرْ بآيات الله فَإِنَّ الله سَرِيعُ الحساب} وعيد لمن كفر منهم.
{فَإنْ حَاجُّوكَ} في الدين، أو جادلوك فيه بعد ما أقمت الحجج. {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ} أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره، وهو الدين القويم الذي قامت به الحجج ودعت إليه الآيات والرسل، وإنما عبر بالوجه عن النفس لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس {وَمَنِ اتبعن} عطف على التاء في أسلمت وحسن للفصل، أو مفعول معه.
{وَقُلْ لّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب والأميين} الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب. {ءَأَسْلَمْتُمْ} كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة، أم أنتم بعد على كفركم ونظيره وقوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} وفيه تعيير لهم بالبلادة أو المعاندة. {فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهتدوا} فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال. {وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} أي فلم يضروك إذ ما عليك إلا أن تبلغ وقد بلغت. {والله بَصِيرٌ بالعباد} وعد ووعيد.
{إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الذين يَأْمُرُونَ بالقسط مِنَ الناس فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} هم أهل الكتاب الذين في عصره عليه السلام. قتل أولهم الأنبياء ومتابعيهم وهم رضوا به وقصدوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ولكن الله عصمهم، وقد سبق مثله في سورة البقرة. وقرأ حمزة {ويقاتلون الذين}. وقد منع سيبويه إدخال الفاء في خبر إن كليت ولعل ولذلك قيل الخبر.
{أُولَئِكَ الذين حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والآخرة} كقولك زيد فافهم رجل صالح، والفرق أنه لا يغير معنى الابتداء بخلافهما. {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} يدفع عنهم العذاب.


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيبًا مّنَ الكتاب} أي التوراة أو جنس الكتب السماوية، ومن للتبعيض أو للبيان. وتنكير النصيب يحتمل التعظيم والتحقير. {يُدْعَوْنَ إلى كتاب الله لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الداعي محمد عليه الصلاة والسلام وكتاب الله القرآن، أو التوراة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام دخل مدراسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أنت. فقال: على دين إبراهيم. فقالا إن إبراهيم كان يهودياً فقال: هلموا إلى التوراة فإنها بيننا وبينكم. فأبيا فنزلت. وقيل نزلت في الرجم. وقرئ ليحكم على البناء للمفعول فيكون الاختلاف فيما بينهم، وفيه دليل على أن الأدلة السمعية حجة في الأصول. {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مّنْهُمْ} استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إليه واجب. {وَهُم مُّعْرِضُونَ} وهم قوم عادتهم الإِعراض، والجملة حال من فريق وإنما ساغ لتخصصه بالصفة.
{ذلك} إشارة إلى التولي والإِعراض. {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلا أَيَّامًا معدودات} بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم لهذا الاعتقاد الزائغ والطمع الفارغ. {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من أن النار لن تمسهم إلا أياماً قلائل، أو أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
{فَكَيْفَ إِذَا جمعناهم لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} استعظام لما يحيق بهم في الآخرة وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات. روي: أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار. {وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} جزاء ما كسبت. وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار، لأن توفية إيمانه وعمله لا تكون في النار ولا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص منها {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} الضمير لكل نفس على المعنى لأنه في معنى كل إنسان.
{قُلِ اللهم} الميم عوض عن يا ولذلك لا يجتمعان، وهو من خصائص هذا الاسم كدخول يا عليه مع لام التعريف وقطع همزته وتاء القسم. وقيل: أصله يا الله أمنا بخير، فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته. {مالك الملك} يتصرف فيما يمكن التصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون، وهو نداء ثان عند سيبويه فإن الميم عنده تمنع الوصفية. {تُؤْتِي الملك مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الملك مِمَّن تَشَاء} تعطي منه ما تشاء من تشاء وتسترد، فالملك الأول عام والآخران بعضان منه. وقيل: المراد بالملك النبوة ونزعها نقلها من قوم إلى قوم {وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما بالنصر والإِدبار والتوفيق والخذلان.
{بِيَدِكَ الخير إِنَّكَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} ذكر الخير وحده لأنه المقضي بالذات، والشر مقضي بالعرض، إذ لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيرًا كلياً، أو لمراعاة الأدب في الخطاب، أو لأن الكلام وقع فيه إذ روي أنه عليه السلام لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، وأخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فجاء عليه الصلاة والسلام فأخذ المعول منه فضربها ضربة صدعتها. وبرق منها برق أضاء منه ما بين لابتيها لكأن بها مصباحاً في جوف بيت مظلم، فكبر وكبر معه المسلمون وقال: «أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي منها قصور صنعاء» وأخبرني جبريل عليه السلام: «أن أمتي ظاهرة على كلها فابشروا». فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق فنزلت. فنبه على أن الشر أيضاً بيده بقوله: {إِنَّكَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{تُولِجُ اليل فِي النهار وَتُولِجُ النهار فِي اليل وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحي وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بغيْرِ حِسَابٍ} عقب ذلك ببيان قدرته على معاقبة الليل والنهار والموت والحياة وسعة فضله، دلالة على أن من قدر على ذلك قدر على معاقبة الذل والعز وإيتاء الملك ونزعه. والولوج: الدخول في مضيق. وإيلاج الليل والنهار: إدخال أحدهما في الآخر بالتعقيب أو الزيادة والنقص. وإخراج الحي من الميت وبالعكس. إنشاء الحيوانات من موادها وإماتتها، أو إنشاء الحيوان من النطفة والنطفة منه. وقيل: إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر {الميت} بالتخفيف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8